درجة حرارة غير مسبوقة.. حصار مستمر..وانقطاع دائم للتيار الكهربائي، هذه أبرز الأجواء التي استقبل بها قطاع غزة شهر رمضان المبارك هذا العام، وهي نفسها الأجواء التي يستقبل بها سكان غزة الشهر الكريم منذ الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ عام 2007. مخيمات غزة، وشوارعها الفقيرة تنطلق وكأنها متجهة نحو الماضي حيث لا كهرباء ولا ماء صالح للشرب، ولا حتى أمل في تحسن وضع أو التماس مستقبل أفضل، فيما تطحن يوميات الحياة أحلام الفقراء والأطفال المعذبين في شوارع المدينة. غابت فوانيس الأطفال، كما غابت أنوار البيوت ليجد سكان غزة أنفسهم في إفطارهم وسحورهم في معاناة غير مسبوقة، يؤدون فرائضهم إما على ضوء الشموع، أو أصوات موتورات توليد الكهرباء التي جعلت غزة المدينة الأكثر ضوضاء في العالم وذلك بسبب انقطاع التيار الكهربائي عن معظم أنحاء القطاع لمدة تزيد على 16 ساعة يومياً.
ويرى المواطن محمود السيد أن انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة في قطاع غزة، سلب الناس بهجة الشهر الفضيل، حيث يقضي الفلسطينيون سحورهم وإفطارهم بلا كهرباء، فيما تتوقف مناحي الحياة كافة. ويضيف السيد لمراسلة وكالة الأنباء القطرية في غزة "لم نعد نرى أطفالاً يحملون فوانيس رمضان في الشوارع، حتى صلاة التراويح نؤديها وسط ارتفاع شديد في درجة الحرارة تصل إلى حد الاختناق في بعض الأحيان، خاصة في المساجد التي لا يوجد بها مولدات كهربائية".
أما سمر رمضان، فتعرب عن اعتقادها بأن سكان غزة يدفعون ثمن مناكفات سياسية، موضحة "كنا نتوقع أن يتم تجاوز تلك المناكفات في رمضان، فعلى الأقل نحصل على قسط كاف من الكهرباء والمياه حتى نعيد بهجة الشهر وروحانياته إلى الصغار والكبار". وتؤكد رمضان أنها لا تشعر ببهجة ولا فرحة الشهر، فالحر حسب قولها قاتل، والكهرباء منقطعة معظم الأوقات، مستدركة "ولكن من أجل أطفالي أحاول أن أضفي بعض الأجواء الرمضانية، كأن أقوم بزيارة الأهل والأقارب، أو الخروج لتناول الحلويات خارج المنزل، حتى يشعر أطفالي بتجديد ولو بسيط، بدلا من أن يقضوا معظم أوقاتهم داخل جدران المنزل الذي أصبح أشبه بالسجن في ظل انقطاع الكهرباء المتواصل والحر الشديد".
وتشير الأحوال في غزة إلى أن الأوضاع النفسية تلعب دوراً كبيراً في سلوكيات سكان القطاع تجاه حركة الأسواق، فالإقبال على أسواق غزة ليس كبيراً كما كان الأعوام السابقة، في ظل الارتفاع في أسعار الخضروات والفواكه ومتطلبات شهر رمضان، فيما تراجع إقبال سكان غزة عن شراء كميات كبيرة من الطعام الخاص بالشهر الفضيل لعدم إمكانية تخزينه بسبب انقطاع التيار الكهربائي. ويقول خالد أبو أسعد، صاحب أحد المحلات في غزة، إنه خلافا للسنوات السابقة، فالناس يشترون فقط ما يكفيهم ليوم أو يومين رغم توافر العديد من المواد التموينية سواء المهربة عن طريق الأنفاق أو التي تدخل عبر المعابر التجارية الإسرائيلية، إلا أن حجم المبيعات أقل من نصف ما كانت عليه العام الماضي، حسب قوله.
وبالرغم من كل مشاهد المعاناة التي تصاحب الشهر الكريم في قطاع غزة، إلا أن المظاهر الاجتماعية والتزاور والألفة تلاحظ بوضوح في حركة الناس وتنقلاتهم بين مدن وقرى القطاع، في إشارة واضحة إلى رغبة كبيرة في الحياة وهزيمة الظروف المحيطة وأداء الواجبات الإنسانية والدينية للجميع. بدورها، أكدت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) على أن الأوضاع في قطاع غزة سيئة للغاية خاصة في ظل انقطاع التيار الكهربائي بشكل متواصل..مشيرة إلى أنها تقوم بتزويد الآلاف من فقراء غزة بوجبات ساخنة خلال شهر رمضان المبارك. وقال عدنان أبو حسنة، الناطق الاعلامي باسم الأونروا، في تصريح لمراسلة "قنا" في غزة، إن انقطاع التيار الكهربائي أدى إلى انهيار قطاعات كبيرة، تبدأ من حياة الناس البسيطة وحتى قطاع الخدمات العامة والصرف الصحي والمياه وخدمات المستشفيات والعيادات. وأضاف أن منظمته تقدم أيضاً في رمضان مساعدات نقدية للعائلات الفقيرة بالإضافة إلى المساعدات التموينية العادية، لافتا إلى أن الأونروا لديها إحصائيات حول العائلات الأكثر فقرا، وبناء على تلك الإحصائيات، يتم توزيع تلك المساعدات والوجبات الساخنة في رمضان.