العالم يختنق بسبب ارتفاع الحرارة

يشهد القسم الشمالي من الكرة الأرضية هذا العام، صيفا ساخنا، هو الأول على مدى سنوات طويلة، في مؤشر على حجم المخاطر التي تهدد الحياة على الأرض، بسبب ازدياد النشاط البشري والاستغلال الجشع للثروات الطبيعية، والذي يؤدي إلى تتوالى الظواهر المناخية العنيفة مثل الفيضانات وموجات الحر الشديد والأعاصير، وهو ما يهدد بفناء ربع المخلوقات حتى عام 2050، بحسب إحدى الدراسات العلمية التي اعتبرت أن ذلك سيكون الأكبر منذ اختفاء الديناصورات قبل 65 مليون سنة.

الكوارث قادمة
على مدى 30 عاما، ارتفعت درجات الحرارة في القطب الشمالي بمقدار نصف درجة مئوية، وصاحب ذلك زيادة ذوبان طبقات الجليد وتراجع في ثلوج البحار.
ومع استمرار المستويات الراهنة المرتفعة لغازات الاحتباس الحراري، حيث يصل تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون إلى 375 جزءا في المليون، يتنبأ الخبراء بارتفاع حرارة الأرض بنحو خمس درجات مئوية، بما يضاهي حالة الأرض قبل 130 ألف سنة تقريبا، وهو ما أدى حينها إلى ارتفاع مستوى سطح البحار بمقدار ستة أمتار تقريبا.
فقبل 130 ألف سنة تقريبا، شهد القطب الشمالي مستويات أعلى من إشعاع الشمس، مما أدى إلى ارتفاع متزايد للحرارة في الصيف وتراجع عالمي في طبقات الجليد.
وإذا ما ارتفع مستوى مياه البحار إلى مترين، فإن ذلك يعني غرق العديد من المدن الساحلية في العالم، مثل نيوأورلينز، وجنوب فلوريدا، وبنغلاديش، وهولندا، وأجزاء من أميركا الوسطى،
وقد ارتفع مستوى سطح البحر فعلا بمعدل بوصة واحدة كل 10 سنوات، وذلك بسبب ذوبان الثلوج وتمدد المياه الدافئة.
احترار القطب الشمالي

في نفس الوقت، تتراكم الأدلة على الاحترار المتسارع للقطب الشمالي. ففي نفس العدد من مجلة "سيانس" أيضا، يورد تقرير آخر - لغوران إيكستروم من جامعة هارفارد- زيادة ملحوظة في زلازل طبقات الجليد، حيث سجلت اهتزازات أرضية في أرجاء العالم لدى انزلاق طبقات الجليد في غرينلاند عبر الصخور منذ 2002. وقد شهد العام الماضي ضعف عدد الزلازل التي حدثت في الأعوام السابقة، وحدثت معظم الزيادة خلال أشهر الصيف.
يخلص الباحثون إلى ضرورة البدء في إجراءات وتدابير جادة لخفض انبعاث غازات الاحترار الكوني خلال العقد القادم. وإذا لم يتم فعل شيء في هذا السبيل، فالعالم مقبل على ارتفاع في مستوى سطح البحر يتراوح بين أربعة وستة أمتار.
فناء ربع المخلوقات
وكشفت دراسة دولية أن ارتفاع حرارة الأرض قد يتسبب في إبادة ربع أنواع الكائنات الحية من نبات وحيوان على سطح الأرض ويضر مليارات البشر بحلول عام 2050 فيما سيمثل واحدا من أكبر نوبات الاندثار الجماعي منذ انقراض الديناصورات.
وقال كريس توماس أستاذ علوم حماية الأحياء بجامعة ليدز في إنجلترا وكبير الباحثين في الدراسة إن الدراسة تقدر أن ما يتراوح بين 15 و37% من جميع المخلوقات يمكن أن يبلغ حد الفناء نتيجة للتغيرات المناخية بحلول عام 2050 مع تقدير متوسط يبلغ 24% منها أي ما يربو عن مليون نوع.
الإنسان هو المسؤول

وتتوقع دراسات أجرتها الأمم المتحدة أن ترتفع درجات حرارة الأرض بمقدار يتراوح بين 1.4 إلى 5.8 درجات مئوية بحلول عام 2100 بسبب الانبعاثات الكربونية الناجمة عن استخدامات البشر في الأساس.
وتشير دراسة نشرتها مجلة "نيتشر" العلمية - أن الانبعاثات الناجمة عن عوادم السيارات والمصانع يمكن أن ترفع الحرارة مع نهاية القرن إلى مستويات لم تشهدها الأرض في فترة تتراوح بين مليون و30 مليون سنة مما يشكل تهديدا للعديد من المحميات، داعيا إلى الاستعانة بتكنولوجيا جديدة ونظيفة لتوليد الطاقة.
وقال كلاوس توبفر مدير برنامج الأمم المتحدة للبيئة إن التقرير يشير إلى أن الاندثارات ستضر المليارات من البشر خاصة في دول العالم الثالث حيث يعتمد الإنسان على الطبيعة في الحصول على الغذاء والمأوى والدواء.
وشمل المسح الذي يعد الأكبر من نوعه ستة أقاليم تشكل20% من اليابسة، وتناول بالدراسة العلاقة بين ظاهرة الاحتباس الحراري و1103 أنواع من النباتات والثدييات والطيور والزواحف والضفادع والحشرات في جنوب أفريقيا والبرازيل وأوروبا وأستراليا والمكسيك وكوستاريكا واستقرأ النتائج المتوقعة حتى عام 2050.
وأشار كبير الباحثين إلى أن الاندثارات التي يخشى منها يمكن أن تكون الأسوأ منذ اختفاء الديناصورات قبل 65 مليون سنة.
ناقوس خطر

من انتفاضة الكهرباء في العراق
هذا الصيف، شكل ناقوس خطر للبشرية لكي تدرك حجم المشكلة، وتسارع إلى معالجة أسبابها قبل فوات الأوان، إذ أن إمكانية التكيف مع ارتفاع درجة الحرارة اليوم، قد لا يجدي نفعا خلال السنوات القادمة، التي يرجح الخبراء أن تشهد درجات حرارة أعلى مما هي عليه في صيف عام 2010، وإذا نظرنا إلى أزمة الكهرباء والماء التي بدأت تعاني منها بعض الدول، فإننا سندرك حجم التحدي الذي ستواجهه هذه الدول لتامين حاجة سكانها في ظل تزايد الطلب على الكهرباء نتيجة التوسع السكاني وتطور مستوى المعيشة.
صيف أوروبي ساخن

حرارة هذا الصيف، صدمت الأوروبيين، ففي بريطانيا، اعلنت السلطات الصحية عن تسجيل "مئات الوفيات الاضافية"، ورجحت أن تكون مرتبطة بموجة الحر الشديد التي تضرب البلاد.
واوضحت وزارة الصحة في بيان ان "السكان مدعوون للانتباه الى الاشخاص في محيطهم، العائلة والاصدقاء، بعد ارتفاع في عدد الوفيات الناتجة عن استمرار موجة الحر".
وشهدت المانيا موجة حر شديد وخصوصا في برلين (شرق) حيث بلغت الحرارة 39 درجة.
وفي اسبانيا استمرت موجة قيظ حيث بلغت درجات الحرارة في الجنوب 39 مخلفة ثلاث ضحايا بحسب اجهزة الصحة في الاقاليم المعنية.
أما في روسيا التي تشتهر بانخفاض درجات الحرارة إلى مستويات قياسية تحت الصفر؛ فتشهد العاصمة موسكو موجة حر شديدة تخطت في 3 أسابيع متتالية درجة 30 مئوية، حيث تعرض مئات الروس وخاصة المسنين منهم إلى حالات ضيق التنفس وارتفاع ضغط الدم وضربات الشمس والحروق الجلدية نتيجة الحرارة والرطوبة العالية.
وتوقع خبراء الأرصاد الجوية الروس أن تصل درجات الحرارة في العاصمة موسكو إلى 36 درجة مئوية معتبرين أن "هذا الارتفاع في درجات الحرارة لم تشهده موسكو منذ سنوات عديدة".
الشمال الشرقي الاميركي
وتعرض الشمال الشرقي الاميركي ابتداء من يوم 6/7 ولمدة أسبوع، لموجة من الحر الشديد دفعت السلطات الى تحذير السكان من خطورة التعرض لدرجات الحرارة المرتفعة التي تجاوزت 38 درجة مئوية وخصوصا في نيويورك وواشنطن.
واقامت البلديات "مراكز ترطيب" يمكن ان يقصدها الاشخاص الذين ليست لديهم اجهزة تكييف في منازلهم للراحة.
وفي كندا، غطت كتلة من الهواء الحار والشديد الرطوبة جنوب كيبيك ومنطقة مونتريال والذي استمر لايام وفقا لاجهزة الارصاد الجوية التي وجهت ايضا تحذيرا من تاثير اختلاط الرطوبة بالتلوث.
ووصلت درجة الحرارة الى 35 الاربعاء والخميس بسبب ارتفاع نسبة الرطوبة في الوقت الذي قد تتعدى فيه درجة الحرارة "المحسوسة" 40 درجة مئوية.
واصدرت السلطات البلدية والصحية في المناطق المعنية التحذيرات المعتادة في مثل هذه الحالات مثل الاكثار من شرب المياه والحد من النشاط الجسدي والبقاء في الظل وتشغيل المراوح واجهزة التكييف.
وطلب من المرضى والمسنين الذين يعيشون وحدهم البقاء على اتصال يومي باقاربهم لطلب المساعدة اذا اقتضى الامر. الا ان المستشفيات لم تعلن زيادة في عدد المرضى بسبب الحرارة.
وفي الولايات المتحدة تزايد استهلاك الكهرباء في شكل كبير، ووجهت شركة كون ايد، المزود الرئيسي بالتيار في منطقة نيويورك، نداء الى المستهلكين للاعتدال في استخدام الطاقة الكهربائية.

استنفار في لبنان

ويشهد لبنان الذي يقصده السياح في الصيف، درجات حرارة بلغت عتبة الأربعين وربما أكثر، ونبه مدير عام مصلحة الأبحاث الزراعية في لبنان، ميشال افرام إلى أن ذلك "هو مؤشر لبدء التصحر في لبنان". وقال ان "موجة الحر ستضاعف الأمراض الزراعية وتؤدي لكثرة أعداد فأر الحقل وزيادة الحرائق"، ناصحاً المواطنين بـ"عدم ارتياد البحر في ساعات الظهر والتزوّد أكثر بالمياه".
أما في سورية واصلت درجات الحرارة ارتفاعها بشكل ملفت، إذ تجاوزت في العاصمة دمشق، 43 درجة مئوية، فيما تجاوزت في المحافظات الشرقية من سورية 47 درجة.
والحال نفسه في الأردن، إذ تجاوزت درجات الحرارة في العاصمة عمان، 40 درجة مئوية.
في الجزائر 46
أما في الجزائر؛ فبلغت درجة الحرارة حدود 46 درجة مئوية، إذ شلت الحركة في المدن والشوارع، خوفا من الإصابة بضربات الشمس، في حين شهدت الشواطئ توافدا قياسيا من طرف المواطنين.
وقالت دائرة التوقعات بمصلحة الأرصاد الجوية إنه "يطرأ ارتفاع مفاجئ على درجات الحرارة ليصبح الطقس حارا شديدا بوجه عام في 15 ولاية".
لهيب في الخليج
ورغم جوها الحار، إلا أن الصيف هذا العام في منطقة الخليج شهد درجات الحرارة غير طبيعية، حيث تجاوزت 51 درجة مئوية في بعض مناطق الكويت، فيما تناقلت بعض وسائل الاعلام أنها فاقت 60 درجة مئوية.
وارجعت الأرصاد الجوية سبب ارتفاع الحرارة الى تقدم كتلة هوائية حارة على المنطقة الشمالية الغربية من الجزيرة العربية.
عطلة في إيران
وعلى الضفة الثانية من الخليج، قال رئيس دائرة الارصاد الجوية الايرانية بهرام صناعي ان معدلات ارتفاع درجات الحرارة في مختلف المناطق الايرانية "غير مسبوقة خلال الاعوام الـ60 الماضية".
وتجاوزت درجات الحرارة في العاصمة طهران في غضون الايام الاخيرة 43 درجة مئوية في حين بلغت درجة الحرارة في بعض المدن الجنوبية 50 درجة مئوية مما دعا مجلس الوزراء الى اغلاق المؤسسات الحكومية ليومين متتاليين، الحفاظ على رفاهية المواطنين، والاقتصاد في استخدام الطاقة في مؤسسات الدولة ومرافقها.

انخفاض شديد في استراليا
في المقابل شهدت مدينة أليس سبرنجز في استراليا أبرد أيامها حيث انخفضت حرارة الحاضرة السياحية إلى ما يزيد بالكاد على 6 درجات مئوية.
وكانت الحرارة المنخفضة السابقة وهي 7 درجات مئوية ، والتي سجلت منذ 44 عاما، هي الأخيرة في سلسلة من الأرقام القياسية لانخفاض درجة الحرارة على مدى أسبوع من الصقيع الامر الذي تسبب في شكاوي أرباب الاعمال من كثرة تغيب الموظفين ليس لسبب وإنما لكي ينعموا بالدفء داخل منازلهم.
وقال خبراء الأرصاد إن درجات الحرارة تقل بمقدار عشر درجات على الأقل عن المعدل المعتاد في هذا الموسم.
وفي سيدني سجلت أرقام قياسية غير رسمية لمعدلات الغياب ، ولأعطال السيارات بسبب فراغ البطاريات.
وسجلت مدينة جيرالدتون على الساحل الغربي لاستراليا أقل درجة حرارة على الاطلاق حيث انخفضت إلى 4ر0 درجة مئوية .
وفي نهاية حزيران/يونيو الماضي كان الساحل الشرقي هو الذي يشهد انخفاضا قياسيا في درجات الحرارة .
وشهدت سيدني أبرد صباح لها في شهر حزيران /يونيو منذ عام 1983 حيث تسببت السماء الصافية مع العواصف الثلجية القادمة من القطب الجنوبي في انخفاض الحرارة إلى 7ر4 درجات مئوية في 29 حزيران/يونيو.
وحتى مدينة برزبن التي تتميز باعتدال الطقس في الغالب ، وردت منها
تقارير بوقوف السكان في طوابير لشراء الدفايات والبطاطين وزجاجات المياه الساخنة.